وتماشياً مع التحديث المتواصل لأولويات المحتوى على فيسبوك، عمل “Mic” على إنتاج مقاطع فيديو قصيرة، كان يعمل عليها أكثر من 100 موظف. لكن، لم تكن نهاية هذه القصة نهاية سعيدة، فبعد كل هذا التواءم والنجاح، ألقى مؤسسو ميك باللوم على فيسبوك وحملوه جزئياً المسؤولية عن الانعطافة السلبية التي يمر بها، بعد إلغاء فيسبوك قناة كان يبث من خلالها فيديوهات ميك، بشكل مدفوع.
عقد من صحافة التواصل الاجتماعي: كيف وصلنا هنا؟
كان دخول المنصات الإخبارية إلى السوشال ميديا ذا تأثيرات مختلفة، أبرزها التسبب بأزمة مالية للمنصات التي كانت تعتمد على عائد الإعلانات في تمويلها، حيث انخفضت مبيعات الصحف وتحولت عائدات الإعلانات إلى المنصات الجديدة على الإنترنت مثل Facebook و Google.
دراسة معمقة أجراها مركز تابع لجامعة كولومبيا، حول العلاقة بين المنصات التقنية والصحافة، شملت أكثر من ألف غرفة إخبارية في الولايات المتحدة وكندا على مدار عامين، أعلنت نتائجها الشهر الحالي، توصلت إلى أن:
- 41% من غرف الأخبار التي شملتها الدراسة أجرت تغييرات كبيرة في إنتاج الأخبار استجابة لنمو منصات ووسائل التواصل الاجتماعي.
- 50% من المستطلعين قالوا إن منصات التواصل عززت علاقتهم مع الجمهور والقراء.
- على الرغم من السياسات التضييقية لمنصات التواصل، فإن الناشرين ما زالوا محافظين على كمية ثابتة من المواد التي ينشرونها على هذه المنصات، بينما المتغير الوحيد هو طريقة النشر وشكل المواد المنشورة.
- ووفقًا للبحث، أصبح الناشرون أكثر فطنة ومرونة في التعامل مع الإنترنت ومواقع التواصل، حيث أنهم لا يفرطون في الاعتماد على منصة واحدة فقط.
- هناك سعي واضح للمنصات وتوجه كي تفك ارتباطها مع مواقع السوشال ميديا، التوجه الحديث هو استخدام هذه المواقع لأخذ المستخدم إلى صفحات الاشتراك المدفوع لدى الناشرين.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للأخبار عبر الإنترنت مع أكثر من 2.4 مليار مستخدم للإنترنت، ما يقرب من 64.5% منهم يحصلون على الأخبار العاجلة من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وسناب شات بدلاً من الوسائط التقليدية.
يجب أن تحصل المادة الخبرية على الكثير من “اللايكات” والمشاركات قبل أن يراها الكثيرون في خلاصتهم على مواقع التواصل. لذا، فإن وسائل التواصل الاجتماعي وأصدقائك هناك يحددون لك ما تراه من الأخبار وما لا تراه.
عام من الاستجواب والوعود
كل هذا الازدهار كان حكاية جميلة تعيش المؤسسات الإخبارية “خاتمة حزينة” لها الآن، فماذا حصل؟
منذ الانتخابات الأمريكية، تواجه منصات التواصل الاجتماعي ضغوطاً كبيرة، وكان العام 2018 عامًا صعبًا على عمالقة التواصل الاجتماعي مثل Twitter وFacebook وGoogle، إذ وضعت سياساتهم تحت مجهر المشرعين في دول مختلفة، إثر سلسلة من الهجمات على خصوصية البيانات والكشف عن فضائح وخروقات لحقوق المستخدمين.
وبعد عامٍ على فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وقف المديران التنفيذيان لفيسبوك وتويتر مجدداً أمام لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي في سبتمبر الماضي، أكدا خلالها أن شركتيهما “أكثر جاهزية لمواجهة أي تدخل أجنبي في المنصتين”.
في ذات الشهر أيضاً، تعهد فيسبوك وتويتر إلى جانب جوجل، أمام المفوضية الأوروبية، بمزيد من الإجراءات التي ستأثر على التجربة الإخبارية على المنصة، إذ تعهدت جوجل، كجزء من قواعد الممارسة هذه، بجعل الأشخاص يصلون إلى المعلومات المفيدة وذات الصلة من المصادر الموثوقة، وقالت الشركة إنها قامت بتنفيذ أكثر من 2400 تحسين لموقعها خلال العام الماضي، كما تحارب منصة مشاركة الفيديو يوتيوب المملوكة من قبل جوجل “الخطاب الذي يحض على الكراهية” ضمن موقعها من خلال تكنولوجيا التعلم الآلي للتعرف على الأنماط في مقاطع الفيديو عبر الإنترنت والإبلاغ عنها إلى المراجعين البشريين.
وقامت منصتا فيسبوك وتويتر بحذف مئات الحسابات المزيفة التي ادعت ارتباطها بإيران وروسيا بعد العثور على سلسلة من الحملات قالت إنها تهدف إلى التدخل في السياسة البريطانية والأمريكية، وبدأت فيسبوك في تصنيف المؤسسات الإخبارية البريطانية على معيار “درجة الثقة” بعد أن غيرت خوارزميتها الشهر الماضي، في حين طبقت تويتر أكثر من 30 تغيير ضمن طريقة عمل منتجها من أجل تحسين الصحة العامة للمحادثات على المنصة.
وتدعي تويتر أن الكثير من هذه التغييرات تساعد على مكافحة الحسابات غير المرغوب بها وروبوتات الدردشة الكتابية، وتعهدت الشركات التي وقعت على القواعد الطوعية بتعطيل عائدات الإعلانات لبعض الحسابات والمواقع الإلكترونية التي تنشر المعلومات المضللة، وجعل الإعلانات السياسية أكثر شفافية، ومعالجة مسألة الأخبار المزيفة وروبوتات الدردشة الكتابية عبر الإنترنت، وتمكين المستخدم من الإبلاغ عن المعلومات المضللة.
فيسبوك: الأكثر تضرراً والأكثر إيذاءً
في العام 2018، كانت منصة فيسبوك الأكثر تضرراً بين عمالقة التواصل الثلاثة، إذ أعلنت في يوليو عن أكبر خسارة لها بيوم واحد في تاريخها، بلغت 120 مليار دولار، كنتيجة مباشرة لإغلاق 3 ملايين أوروبي حساباتهم على فيسبوك، بسبب فضيحة كامبريدج أناليتيكا وما تلاها من فضائح.
افتتح الفيسبوك العام 2018 بالحديث عن جمع الناس معا من خلال إظهار “مشاركات ذات مغزى” أكثر للمستخدمين يشاركها أصدقائهم وعائلاتهم، بينما ينهي العام 2018 باختلاق الأعذار محاولاً تبرير مشاركة بيانات هؤلاء الأصدقاء والأقرباء مع عشرات الشركات دون موافقة المستخدمين، إذ منذ أقل من أسبوعين دوت فضيحة إعطاء فيسبوك شركات بيانات صلاحية الاطلاع على بيانات المستخدمين.
ومستنداً إلى استطلاعات وإحصائيات، تحدث التقرير السنوي السابع للاخبار الرقمية الصادر عن معهد رويترز لدراسات الصحافة في حزيران الماضي عن تغيرات جوهرية في المشهد الإخباري خلال العام الماضي، إذ بدأت شعبية فيسبوك تنخفض في الولايات المتحدة فيما يتعلق بمشاركة واستهلاك الأخبار مع تحول العديد من الشباب نحو تطبيقات التراسل مثل واتساب لمناقشة الأحداث، إذ انخفض استخدام فيسبوك لمشاركة الأخبار في أمريكا بنسبة 9% بالمقارنة مع عام 2017، وانخفض بمقدار 20% بالنسبة لجمهور الشباب.
في هذه الأثناء، تحاول آبل استدراج مؤسسات إعلامية كبيرة وضمها لخدمتها الإخبارية بعد أن شعرت بالتوتر الحاصل مع فيسبوك، ففي هذا الصيف بدأت شركة آبل محادثات مع الصحف الرئيسية الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وصحيفة وول ستريت جورنال حول إضافة قصصها إلى خدمة المجلات الرقمية Texture، وهو التطبيق الذي حصلت عليه آبل في شهر مارس الماضي ودخلت من خلاله مجال المجلات، والذي يتيح للمستخدمين الاشتراك في أكثر من 200 مجلة مقابل 9.99 دولار في الشهر.
كيف نتلافى أخطاء عقد من الارتهان لمنصات التواصل؟
خلال السنوات القليلة الماضية، سلّم منتجو الأخبار رقابهم طوعاً لفيسبوك، بعد أن أغرتهم سهولة الوصول لجمهورٍ أكبر من خلاله، ليفاجؤوا بعدها بفيسبوك وهو يستثنيهم من معادلة نشر الأخبار على منصته، كان هذا خطأهم، فعوضاً عن الاستفادة من الانفتاح التكنولوجي في تطوير مواقعهم الخاصة واكتساب زوار ذوي ولاء، أتاحوا لفيسبوك الفرصة لكي يظهر أمام قرائهم كأنه هو مصدر الخبر، بل وحتى المصدر الوحيد للخبر.